فصل: باب‏:‏ ما نزل عاماًّ دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الرسالة **


*2* باب‏:‏ بيان ما أنْزِل من الكتاب عامَّ الظاهرِ، وهو يجمع العام والخصوص‏.‏

قال الله تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا‏.‏ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ‏}‏الحجرات‏:‏13

وقال تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏(‏183‏)‏ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏(‏184‏)‏‏}‏ البقرة‏:‏183،184

وقال‏:‏‏{‏ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا‏}‏ النساء‏:‏103

قال‏:‏ فبيَّنَ في كتاب الله، أنَّ في هاتين الآيتين العمومَ والخصوصَ‏:‏

فأمَّا العموم منهما، ففي قول الله‏:‏‏{‏ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا‏}‏ الحجرات‏:‏13، فكل نفس خوطبت بهذا، في زمان رسول الله، وقبله وبعده، مخلوقةٌ من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل‏.‏

والخاص منها في قول الله‏:‏‏{‏ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ‏}‏ الحجرات‏:‏13 لأن التقوى تكون على من عَقَلَها، وكان من أهلها من البالغين من بني آدم، دون المخلوقين من الدوابّ سِواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وعُقِل التقوى منهم‏.‏

فلا يجوز أن يُوصف بالتقوى وخلافها إلا من عَقَلها وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها‏.‏

والكتاب يدل على ما وصفتُ، وفي السنة دلالة عليها، قال رسول الله‏:‏ ‏(‏رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَة‏:‏ النَّائِمُِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، والصَّبِيُِّ حتى يَبْلُغَ، وَالمَجْنُونُِ حَتَّى يُفِيقَ‏)‏‏[‏ الترمذي‏:‏ كتاب الحدود/1343؛ أبو داود‏:‏ كتاب الحدود/3822؛ ابن ماجه‏:‏ كتاب الطلاق/2031؛ مسند أحمد‏:‏ مسند العشرة/940،956،1183،1327؛ الدارمي‏:‏ كتاب الحدود/2194‏]‏ وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة‏:‏ على البالغين العاقلين، دون من لم يبلغ، ومن بلغ ممن غُلِبَ على عقله، ودون الحُيَّضِ في أيام حَيْضِهِنَّ‏.‏

*2*  باب‏:‏ بيان ما نزل من الكتاب عامَّ الظاهر، يراد به كلِّه الخاصُّ‏.‏

وقال الله تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ‏:‏ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏}‏ آل عمران‏:‏173‏.‏

قال الشافعي‏:‏ فإذْ كان مَن مع رسول الله ناسً‏[‏ هكذا رُسمت في الموضعين بغير ألف وهي منصوبة والرسم بغير ألف جائز وقد ثبت في أصول صحيحة عتيقة من كتب الحديث‏.‏ انظر تعليق شاكر ص 59‏]‏، غيرَ مَن جمَعَ لهم من الناس، وكان المخبرون لهم ناسً غيرَ مَن جمُع لهم، وغيرَ من معه ممن جمُع عليه معه، وكان الجامعون لهم ناساً، فالدلالة بيِّنة مما وصفت من أنه إنما جمع لهم بعضُ الناس دون بعض‏.‏

والعلم يحيط أنْ من لم يَجمع لهم الناسُ كلهم، ولم يُخبرهم الناسُ كلهم، ولم يكونوا هم الناسَ‏[‏ الصواب أن هذا الضمير للفصل لا محل له من الإعراب ويكون ما بعده خبراً‏]‏ كلَّهم‏.‏

ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر، وعلى جميع الناس، وعلى مَن بين جمعهم وثلاثةٍ منهم، كان صحيحاً في لسان العرب أن يقال‏:‏‏{‏ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ ‏}‏ آل عمران‏:‏173 ، وإنما الذين قال لهم ذلك أربعةُ نفر‏{‏ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ‏}‏ آل عمران ‏:‏173، يعنون المنصرفين عن أُحُدٍ‏.‏

وإنما هم جماعة غيرُ كثير من الناس، الجامعون منهم، غيرُ المجموع لهم، والمخبرون للمجموع لهم غيرُ الطائفتين، والأكثر من الناس في بلدانهم غيرُ الجامعين، ولا المجموع لهم ولا المخبرين‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ‏.‏ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ‏.‏ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ‏}‏ الحج‏:‏73

قال‏:‏ فمَخْرَجُ اللفظ عامٌّ على الناس كلهم‏.‏ وبيِّنٌ عند أهل العلم بلسان العرب منهم‏:‏ أنه إنما يُراد بهذا اللفظ العامِّ المخرجِ بعضُ الناس، دون بعض؛ لأنه لا يُخاطَب بهذا إلا من يدعو من دون الله إلَهًا، تعالى عما يقولون عُلُوًّا كبيرا؛ لأن فيهم من المؤمنين المغلوبين على عقولهم، وغير البالغين ممن لا يدعو معه إلها‏.‏

قال‏:‏ وهذا في معنى الآية قبلها عند أهل العلم باللسان، والآية قبلها أوضحُ عند غير أهل العلم، لكثرة الدلالات فيها‏.‏

قال الشافعي ‏:‏ قال الله تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ‏}‏ البقرة‏:‏199، فالعلم يحيط - إن شاء الله - أن الناس كلهم لم يحضروا عرفة في زمان رسول الله، ورسول الله المخاطبُ بهذا ومَن معه، ولكنَّ صحيحاً من كلام العرب أن يقال‏:‏‏{‏ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ‏}‏، يعني بعضَ الناس‏.‏

وهذه الآية في مثل معنى الآيتين قبلها، وهي عند العرب سواء‏.‏ والآية الأولى أوضح عند من يجهل لسان العرب من الثانية، والثانيةُ أوضح عندهم من الثالثة، وليس يختلف عند العرب وضوح هذه الآيات معا؛ لأن أقل البيان عندها كاف من أكثره، إنما يريد السامعُ فَهْمَ قول القائل، فأقل ما يفهمه به كافٍ عنده‏.‏

وقال الله جل ثناؤه‏:‏‏{‏ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ‏}‏ البقرة‏:‏24، فدل كتاب الله على أنه إنما وقودها بعضُ الناس، لقول الله‏:‏‏{‏ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى‏.‏ أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ‏}‏ الأنبياء‏:‏101‏.‏

*2*  باب‏:‏ الصِّنْف الذي يُبَيِّن سياقُه معناه‏.‏

قال الله تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا، وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ‏.‏ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ‏}‏ الأعراف‏:‏163‏.‏

فابتدأ - جل ثناؤه - ذِكرَ الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر، فلما قال‏:‏‏{‏ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت&الآية، دل على أنه إنما أراد أهلَ القرية؛ لأن القرية لا تكون عادِيَةً، ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بَلاَهم بما كانوا يفسقون‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً، وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ‏(‏11‏)‏ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ‏(‏12‏)‏‏}‏ الأنبياء‏:‏11،12

وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها، فذَكَر قَصْمَ القرية، فلما ذكر أنها ظالمة بَانَ للسامع أن الظالم إنما هم أهلها، دون منازلها التي لا تَظلم، ولما ذكر القوم المنشَئِين بعدها، وذكر إحساسَهم البأسَ عند القَصْم، أحاط العلمُ أنه إنما أحسَّ البأس من يعرف البأس من الآدميين‏.‏

*2* الصنف الذي يدل لفظه على باطنه، دون ظاهره‏.‏

قال الله تبارك وتعالى، وهو يحكي قول إخوة يوسف لأبيهم‏:‏‏{‏ مَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا، وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ‏(‏81‏)‏، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا، وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ‏(‏82‏)‏‏}‏ يوسف‏:‏ 81،82

فهذه الآية في مثل معنى الآيات قبلها، لا تختلف عند أهل العلم باللسان، أنهم إنما يخاطبون أباهم بمسألة أهل القرية وأهل العير، لأن القرية والعير لا يُنْبِئَانِ عن صدقهم‏.‏

*2* باب‏:‏ ما نزل عاماًّ، دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص‏.‏

قال الله - جل ثناؤه -‏:‏‏{‏ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏}‏ النساء‏:‏11‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ، وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ، وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ‏}‏ النساء‏:‏12‏.‏

فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمى في الحالات، وكان عامَّ المخرج، فدلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد به بعض الوالدين والأزواج، دون بعض، وذلك أن يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحداً، ولا يكون الوارث منهما قاتلاً ولا مملوكاً‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ‏}‏‏.‏

فأبان النبي أن الوصايا مقتَصَرٌ بها على الثلث، لا يُتَعدى، ولأهل الميراث الثلثان؛ وأبان أن الدَّين قبل الوصايا والميراث، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدَّين دينهم‏.‏

ولولا دلالة السنة، ثم إجماعُ الناس، لم يكن ميراثٌ إلا بعد وصية أو دين، ولم تعد الوصية أن تكون مُبَدَّاةً على الدين أو تكون والدين سواء‏.‏

وقال الله‏:‏‏{‏ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ‏}‏ المائدة‏:‏6

فقصد - جل ثناؤه - قصْدَ القدمين بالغسل، كما قصد الوجه واليدين، فكان ظاهر هذه الآية أنه لا يجزئ في القدمين إلا ما يجزئ في الوجه من الغسل، أو الرأس من المسح؛ وكان يحتمل أن يكون أريد بغسل القدمين أو مسحهما، بعضُ المتوضئين دون بعض‏.‏

فلما مسح رسول الله على الخفين، وأمر به من أدخل رجليه في الخفين، وهو كامل الطهارة، دلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعضُ المتوضئين دون بعض‏.‏

وقال الله تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ‏}‏ المائدة‏:‏38‏.‏

وسن رسول الله أن‏:‏ ‏(‏ لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كَثَرٍ‏)‏ ‏[‏ الترمذي‏:‏ كتاب الحدود/1369؛ النسائي‏:‏ كتاب قطع السارق/4874؛ أبو داود‏:‏ كتاب الحدود/3815؛ مسند احمد‏:‏ مسند المكثرين/15243؛ مالك‏:‏ كتاب الحدود/1320؛ الدارمي‏:‏ كتاب الحدود/ 2202‏]‏ ، وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار، فصاعداً‏.‏

وقال الله‏:‏ ‏{‏ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ النور‏:‏2

وقال في الإماء‏:‏‏{‏ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ‏}‏ النساء‏:‏25‏.‏

فدل القُرَآن على أنه إنما أريد بجلد المائة‏:‏ الأحرارُ، دون الإماء‏.‏ فلما رجم رسول الله الثيب من الزناة، ولم يجلده‏:‏ دلت سنة رسول الله على أن المراد بجلد المائة من الزناة‏:‏ الحُرَّان البِكْرَان، وعلى أن المراد بالقطع في السرقة‏:‏ من سرَق من حِرْز، وبلغت سرقته ربع دينار، دون غيرهما ممن لزمه اسم سرقة وزنا‏.‏

وقال الله‏:‏‏{‏ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏ الأنفال‏:‏41‏.‏

فلما أعطى رسول الله بني هاشم وبني المطلب سهم ذي القربى‏:‏ دلت سنة رسول الله أن ذا القربى الذين جعل الله لهم سهماً من الخمس‏:‏ بنو هاشم وبنو المطلب، دون غيرهم‏.‏

وكل قريش ذو قرابة، وبنو عبد شمس مساويةُ بني المطلب في القرابة، هم مَعًا بنو أب وأم، وإن انفرد بعض بني المطلب بولادة من بني هاشم دونَهم‏.‏

فلما لم يكن السهم لمن انفرد بالولادة من بني المطلب دون من لم تصبه ولادة من بني هاشم منهم‏:‏ دل ذلك على أنهم إنما أعطُوا خاصة دون غيرهم بقرابة جذم النسب، مع كَيْنُونَتِهِمْ معًا مجتمعين في نصر النبي بالشِّعْب وقبله وبعده، وما أراد الله - جل ثناؤه - بهم خاصًّا‏.‏

ولقد وَلَدَتْ بنو هاشم في قريش فما أعطي منهم أحد بولادتهم من الخمس شيئاً، وبنو نوفل مُسَاوِيَتُهُمْ في جِذْمِ النسب، وإن انفردوا بأنهم بنوا أم دونهم‏.‏

قال الله‏:‏‏{‏ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ‏}‏ الأنفال‏:‏41‏.‏

فلما أعطى رسول الله السلَبَ القاتلَ في الإقبال‏:‏ دلَّت سنة النبي على أن الغنيمة المَخْمُوسَة في كتاب الله، غيرُ السلب، إذْ كان السلب مَغْنُوماً في الإقبال،دون الأسلاب المأخوذة في غير الإقبال، وأن الأسلاب المأخوذة في غير الإقبال غنيمةٌ تُخمس مع ما سواها من الغنيمة بالسنة‏.‏

ولولا الاستدلال بالسنة، وحُكْمُنا بالظاهر قطعنا من لزمه اسمُ سرقة، وضربنا مائةً كلَّ مَنْ زَنَى، حُراًّ ثيباً، وأعطينا سهم ذي القربى كل من بينه وبين النبي قرابة، ثم خلص ذلك إلى طوائف من العرب، لأن له فيهم وَشَايِجَ أرحام، وَخَمَسْنا السَّلَب، لأنه من المَغْنم مع ما سواه من الغنيمة‏.‏

*2* بيان فرضِ الله في كتابه اتباعَ سنة نبيه‏.‏

قال‏:‏ الشافعي‏:‏ وضع الله رسوله من دينه وفرْضِه وكتابه، الموضعَ الذي أبان - جل ثناؤه - أنه جعله عَلَمًا لدينه، بما افترض من طاعته، وحرَّم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قَرَن من الإيمان برسوله مع الإيمان به‏.‏

فقال تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا‏:‏ ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ‏.‏ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ‏}‏ النساء‏:‏171‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ‏}‏ النور‏:‏62‏.‏

فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذي ما سواه تَبَع له‏:‏ الإيمانَ بالله ورسوله‏.‏

فلو آمن عبد به، ولم يؤمن برسوله‏:‏ لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله معه‏.‏

وهكذا سَنَّ رسولُ الله في كل من امتحنه للإيمان‏.‏

أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عُمَر بن الحَكَم قال‏:‏ ‏(‏ أتَيْتُ رسولَ اللهِ بِجَارِيَةٍ، فَقُلْتُ‏:‏ ياَ رَسُولَ اللهِ، عَلَيَّ رَقَبَةٌ، أَفَأَعْتِقُهَا‏؟‏ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ‏:‏ أَيْنَ اللهُ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ فِي السَّمَاءِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ وَمَنْ أَنَا‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَعْتِقْهَا‏)‏ ‏[‏موطأ مالك‏:‏ كتاب العتق والولاء/1269؛ مسند أحمد‏:‏ باقي مسند الأنصار/22645؛ سنن النسائي‏:‏ كتاب الوصايا/3593‏]‏

قال الشافعي‏:‏ وهومعاوية بن الحكم، وكذلك رواه غيرُ مالك، وأظن مالكً‏(‏1‏)‏ لم يحْفَظ اسمَه‏.‏

قال الشافعي‏:‏ ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله‏.‏

فقال في كتابه‏:‏‏{‏ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُزَكِّيهِمْ‏.‏ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ البقرة‏:‏129‏.‏

وقال جل ثناؤه‏:‏‏{‏ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا، وَيُزَكِّيكُمْ، وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ‏}‏ البقرة‏:‏151‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ آل عمران‏:‏164‏.‏

وقال جل ثناؤه‏:‏‏{‏ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ الجمعة‏:‏2‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ‏}‏ البقرة‏:‏231‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا‏}‏ النساء‏:‏113‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ‏.‏ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا‏}‏ الأحزاب‏:‏34‏.‏

فذكر الله الكتاب، وهو القُرَآن، وذكر الحِكْمَة، فسمعتُ مَنْ أرْضى من أهل العلم بالقُرَآن يقول‏:‏ الحكمة سنة رسول الله‏.‏

وهذا يشبه ما قال، والله أعلم‏.‏

لأن القُرَآن ذُكر وأُتْبِعَتْه الحكمة، وذكرَ الله منَّه على خَلْقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُزْ - والله أعلم - أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنةُ رسول الله‏.‏

وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول‏:‏ فرضٌ، إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله‏.‏

لِمَا وصفنا، من أنَّ الله جَعَلَ الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به‏.‏

وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد، دليلاً على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله‏.‏

*2*باب‏:‏ فرْض الله طاعةَ رسول الله مقرونةً بطاعة الله، ومذكورةً وحدها‏.‏

قال الله‏:‏‏{‏ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا‏}‏ الأحزاب‏:‏36‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا‏}‏ النساء‏:‏59‏.‏

فقال بعض أهل العلم‏:‏ أولوا الأمر‏:‏ أمراء سرايا رسول الله - والله أعلم - وهكذا أُخبرنا‏.‏

وهو يُشْبِه ما قال - والله أعلم -، لأن كلَّ من كان حوْل مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنَف أن يُعْطِيَ بعضُها بعضا طاعةَ الإمارة‏.‏

فلما دانت لرسول الله بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يَصلح لغير رسول الله‏.‏

فأُمِروا أن يُطِيعوا أولي الأمر الذين أَمَّرَهم رسول الله، لا طاعةً مطلقة، بل طاعة مُسْتَثْناة، فيما لهم وعليهم، فقال‏:‏‏{‏ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ‏}‏ النساء‏:‏59، يعني‏:‏ إن اختلفتم في شيء‏.‏

وهذا - إن شاء الله - كما قال في أولي الأمر، إلا أنَّه يقول‏:‏‏{‏ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ‏}‏، يعني - والله أعلم - هم وأُمَراؤهم الذين أُمِروا بطاعتهم،‏{‏فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، يعني - والله اعلم - إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه، فإن لم تعرفوه سألتم الرسولَ عنه إذا وصلتم، أو من وَصَلَ منكم إليه‏.‏

لأن ذلك الفرضُ الذي لا مُنَازَعَة لكم فيه، لقول الله‏:‏‏{‏ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ‏}‏ الأحزاب‏:‏36‏.‏

ومن تنازع ‏[‏ رسمت في النسخة المعتمدة بالياء وسكون آخره ورفعه، وبالتاء وفتح آخره وسكونه‏.‏‏]‏ ممن بعد رسول الله رَدَّ الأمر إلى قضاء الله، ثم قضاء رسوله، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء، نصًّا فيهما ولا في واحد منهما، رَدُّوه قِياساً على أحدهما، كما وصفْتُ مِنُ ذكر القبلة والعدل والمثل، مع ما قال الله في غير آية مثلَ هذا المعنى‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ‏}‏ النساء‏:‏69‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ الأنفال‏:‏20‏.‏

*2* باب‏:‏ ما أمر الله من طاعة رسوله‏.‏

قال الله - جل ثناؤه -‏:‏‏{‏ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ‏.‏ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا‏}‏ الفتح ‏:‏10‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ‏}‏ النساء‏:‏80‏.‏

فأعْلَمَهم أنَّ بَيْعَتهم رسولَه بيعتُه، وكذلك أعْلمهم أنَّ طاعتَهم طاعتُه‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏ النساء‏:‏65‏.‏

نزلت هذه الآية فيما بلغنا - والله أعلم - في رجل خاصَمَ الزُّبَيْر في أرضٍ، فقضى النبي بها للزبير‏.‏

وهذا القضاء سنة من رسول الله، لا حُكْمٌ منصوص في القُرَآن‏.‏

والقُرَآن يدل - والله أعلم - على ما وصفْتُ، لأنه لو كان قضاءً بالقُرَآن كان حُكماً منصوصاً بكتاب الله، وأشبَهَ أن يكونوا إذا لم يُسَلِّموا لحكم كتاب الله نصًّا غيرَ مُشْكِل الأمر، أنَّهم ليسوا بِمُؤمنين، إذا رَدُّوا حكمَ التنزيل، إذا لم يسلموا له‏.‏

وقال تبارك وتعالى‏:‏‏{‏ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا‏.‏ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ، فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ النور‏:‏ 63‏.‏

وقال‏:‏‏{‏ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ‏(‏48‏)‏ ‏.‏ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ‏(‏49‏)‏ ‏.‏ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ‏؟‏ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ‏(‏50‏)‏ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ‏(‏51‏)‏ ‏.‏ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ، فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ‏(‏52‏)‏‏}‏ النور‏:‏48،52

فأعلم اللهُ الناسَ في هذه الآية، أنَّ دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم‏:‏ دعاء إلى حكم الله، لأن الحاكم بيْنهم رسولُ الله، وإذا سلَّموا لحكم رسول الله، فإنما سلموا لحكمه بفرض الله‏.‏

وأنَّه أعْلَمَهم أن حكمَه‏:‏ حكمُه، على معنى افتراضه حكمَه، وما سبق في علمه - جل ثناؤه - مِن إسْعاده بعِصْمته وتوفيقه، وما شَهِد له به من هِدايتِه واتباعِه أمْرَه‏.‏

فأَحْكَمَ فرضَه بإلزام خَلْقِه طاعةَ رسوله، وإعْلامِهم أنها طاعتُه‏.‏

فَجَمَعَ لهم أنْ أعْلمَهم أنَّ الفرض عليهم اتباعُ أمره، وأمرِ رسوله، وأن طاعة رسوله‏:‏ طاعتُه، ثم أعلمهم أنه فَرَضَ على رسوله اتباعَ أمرِه - جل ثناؤه -‏.‏